صرخة من أعماق قلبي: حلم تحول إلى سراب
في خريف العمر، حين تبدأ الحياة بالميلان نحو الغروب، كنت أبحث عن ملاذ يحميني من قسوة الأيام، مكان أضع فيه أحلامي المتبقية وأستريح فيه من عناء السنين. لم يكن طلبي كبيرًا، مجرد شقة صغيرة في زاوية هادئة، أضع فيها ذكرياتي وأمنحها ما تبقى من أملي. لكن، لم أكن أعلم أن هذا الحلم البسيط سيتحول إلى كابوس يلتهم صحتي، يسرق مالي، ويتركني غارقة في بحر من الألم.
في العام 2016، دخل حياتي ذلك المقاول بابتسامة واثقة وكلمات مطمئنة. وعدني بأن الشقة التي سأشتريها في الطابق العاشر ستكون جنة صغيرة، وستُزوّد بمصعد قريبًا. قالها وكأنها وعد مقدس: "سأركب مصعدًا هنا قريبًا". تعلقت بكلامه كالغريق الذي يرى في الكلمات قشة نجاة. دفعت له ثمن الشقة كاملاً، وفي لحظة ضعف وثقة، طلبت منه أن يتولى تشطيب شقتي. طلب ثلاثين ألف جنيه إضافية، دفعتهم دون تردد. كنت أرى في عينيه أمنًا زائفًا، وفي وعوده نهاية سعيدة لحلمي المرهق.
لكن الأيام مضت، والشهور تبعتها، والوعود لم تتحقق. كنت أتصل به باستمرار، أبحث عن صوت يحمل لي أي خبر جيد. لكنه كان يكرر ذات العبارات: "قريبًا... الأسعار ارتفعت... انتظري قليلاً". وبدل أن يتحقق الحلم، بدأ يتلاشى. مرت سنتان وأنا أعيش على أمل زائف، أواجه أكاذيبه بقلق متزايد. كنت أرى الشقة تتحول من حلم إلى كابوس.
ثم جاءت الصدمة الأكبر؛ اكتشفت أن قضيتي معه كانت نية واضحة في النصب. العقد الذي أبرمه معي كان مجرد حبر على ورق، بلا أي إلزام قانوني بتركيب المصعد الذي وعدني به مرارًا. الآن، وبعد مرور عشر سنوات، لم يُركّب المصعد ولا حتى أبدى نية حقيقية لفعل ذلك. بل لم يكتفِ بعدم الوفاء بوعوده، بل بدأ يطالبني علنًا بمبالغ مالية ليست من حقه، مشوهًا سمعتي في الأوساط المحيطة. كان العقد ينص على أنه ملزم بتسليم الشقة مشطبة بالكامل، لكنني تفاجأت عند استلامها أنها على المحارة، جدران فارغة، بلا نوافذ، بلا كهرباء، بلا ماء. كل ما وجدتُه كان مطبخًا وحمامًا نصف مشطبين، وسلكتين بالكاد تصل إليهما لمبة يتيمة.
لم أكن أعلم أن الخدعة كانت أعمق مما ظننت. اكتشفت لاحقًا أنه قام ببناء دور إضافي فوق شقتي، واستغل خاماتي ومجهودي لتشطيب شقة أخرى، بينما ترك شقتي كما هي: خاوية، معيبة، لا تصلح للسكن. كنت أرى في كل زاوية من الشقة دليلًا على خيانته وغشه. ومع ذلك، لم أستسلم. بدأت أجمع من راتبي القليل، وأطلب المساعدة من ابني وابنتي، اللذين كان من المفترض أن يبنيا مستقبلهما، لكنهما الآن يساعدانني على بناء جدران حلمي المنهار. كل قرش كنت أجمعه كان يذهب إلى الشقة: نافذة هنا، مفتاح كهرباء هناك، حنفية صغيرة تروي عطش الأمل. كنت أضع كل طاقتي في تلك الجدران، وأنا أعلم أن قلبي ينزف مع كل خطوة.
وفي لحظة صادمة أخرى، وجدت ذلك المقاول يشتكيني للكنيسة، مدعيًا أنني مدينة له بخمسة وعشرين ألف جنيه إضافية! وقفت أمام أبونا، ودموعي تخنقني: "هذا الرجل نصاب! لم يفعل شيئًا يستحق المال! لم يضع نافذة، لم يمد سلكًا، لم يركب حنفية!" كنت أصرخ بصوت مكسور. شرحت لهم أنني كنت مريضة، خضعت لعملية جراحية لاستئصال ورم، ولم أكن قادرة على مواجهة خداعه وقتها.
حاول ابني التحدث معه، شرح له أننا لا نملك المزيد من المال، لكنه كان يصر على مطالبه. حتى المصعد الذي وعد به، كان يطالب بمزيد من الأموال لتركيبه. اقترح أبونا أن نتقاسم التكلفة: نصفها عليّ، والنصف الآخر عليه. لكن كيف؟ كيف أدفع المزيد وأنا قد دفعت كل ما أملك، ووهبت حلمي وأحلام أبنائي لهذه الشقة؟
اليوم، وبعد سنوات من الوعود الكاذبة، ما زلت أصعد تلك العشر طبقات يوميًا. خطواتي متثاقلة، ظهري ينحني، وقلبي مثقل بالألم. كل درجة من السلم تذكرني بحلمي الذي كان، وبالسنوات التي مرت وأنا أبحث عن عدالة ضائعة. الشقة التي كانت حلمًا أصبحت عبئًا، والمصعد الذي وُعدت به لم يأتِ، وربما لن يأتي أبدًا.
جلست في الشقة لبعض الوقت، لكن المرض والتعب وقاومت حتى لم أعد قادرة على الصعود والنزول يوميًا، خاصة عندما أحتاج إلى زيارة الطبيب. تركتها، لكنني تركت فيها أثاثي. لا أستطيع أن أتركها خاوية خوفًا من أن يستغلني هذا الرجل مرة أخرى ويبيعها لشخص آخر دون علمي. أعيش في قلق دائم، ممزقة بين الألم الذي سببه هذا المكان، والخوف من أن أفقده.
أجلس أحيانًا أمام نافذتي، التي بالكاد توفر لي هواءً خفيفًا، وأتساءل: أين العدالة؟ كل ما أريده هو أن أصعد إلى شقتي دون ألم. أريد أن أرى النور، أن أشعر بالأمان، أن أعيش ما تبقى من حياتي بكرامة. حلمي لم يكن كبيرًا، لكنه كان كل ما أملكه. واليوم، لم يبق منه سوى صرخة مكتومة في أعماق قلبي... صرخة تبحث عن عدالة في عالم قاسٍ، وعن رحمة في قلوب أغلقتها الأنانية.
بقلمي / سحر حليم أنيس حنا
سفيرة السلام الدولي
القاهره 9/5/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق