في تلك الليلة،
لم يكن القمرُ قمرًا،
كان وجهًا يُطلُّ من وراء الغيم
ليقول للكون:
هنا يولد الحلم.
لم تكن النجومُ نجومًا،
كانت عيونًا تبكي فرحًا
وترسم في السماء طريقًا للقلوب.
ولم تكن الأرضُ أرضًا،
كانت حضنًا يتّسع ليتيمٍ صغير،
لكنّه سيحمل على كتفيه
أثقالَ الإنسانية جميعًا.
******
آمنةُ، يا أمَّ الطهر،
أيُّ سرٍّ خبّأه اللهُ في صدرك؟
أيُّ موسيقى سماويةٍ
هدهدتْ مهدَ ابنك؟
أكنتِ تدركين أنّ أنفاسه
ستُوقظ أرواحًا نائمة
في كلّ جيل؟
كان صامتًا…
لكنّ صمتهُ غنّى،
وكان رضيعًا…
لكنّه عانق الأبدية بيديه الصغيرتين.
******
يا محمد…
أيّها القادمُ من رحمِ النور،
أيّها الموشّى بدموع الملائكة،
أيّها المولودُ على وسادة الرمل،
لتصير وسادةَ القلوب.
ما كان ميلادك يومًا عابرًا،
بل كان ارتجافةَ حياةٍ جديدة،
انتصارًا للحبّ على القسوة،
وهمسةً تقول للإنسان:
"كن رحمةً قبل أن تكون قوّة،
وكن قلبًا قبل أن تكون سيفًا."
******
يا رسولَ الله،
حين نحتفلُ بمولدك،
لا نُشعل قناديلَ الزيت
ولا نُزيّن الشوارع…
نُشعل قناديلَ أرواحنا،
ونُزيّن قلوبنا بذكرك.
مولدُك قصيدةٌ لا تنتهي،
نشيدٌ يفيض من حناجر الأنهار،
قبلةُ العشّاق حين يتيهون،
ودمعةُ الأمهات في ليالي الفقد.
مولدُك وعدٌ،
أن يولد الإنسانُ كلّ عام من جديد،
أن يعود إلى طفولته الأولى،
إلى براءته الأولى،
إلى رحمته الأولى.
******
يا محمد،
أيّها النبيّ الحبيب،
أيّها السراجُ المعلّق في قلوبنا،
سلامٌ عليكَ…
ما ظلّتْ الطيورُ تعرف طريقها إلى الجنوب،
وسلامٌ عليك…
ما ظلّتِ النجومُ تهدي الغرباءَ إلى بيوتهم،
وسلامٌ عليك…
ما ظلّ العاشقون يتعلّمون من حبّك
كيف يصبح الحُبُّ صلاة.
******
في مولدك،
كلّ الطرقات تُزهر،
كلّ الجدران تتنفّس،
كلّ الينابيع تُطلق أنغامها،
كأنّ الكونَ يرقصُ من جديد.
مولدُك ليس ذكرى،
إنّه موسيقى أبديّة،
تعزفها قلوبنا كلّما ضاق بها الصمت،
وتنشدها أرواحنا كلّما عطشتْ للحبّ.
مولدُك بداية،
ونحن ما زلنا نحاولُ أن نلحق ببدايتك.
بقلمي/الشاعرةد. سحر حليم أنيس
سفيرة السلام الدولي
القاهرة 31/8/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق