نشيد القبس
يا قبسًا يشعّ من غبارِ النجوم،
أيها السرُّ الذي يخرج من رحمِ الليل
ليقولَ للإنسان: لا تَخشَ الطريق.
أنتَ خبزُ الأرملة،
وماءُ الطفلِ الذي لا يعرفُ سوى الدموع،
وأنتَ دفءُ عاشقين يستعيدان وجهَهما
من تحت رمادِ الأيام.
ما أنتَ صحيفةٌ ولا كلماتٌ تُقرأ،
بل أفقٌ يفتحُ ذراعيه كبحرٍ بلا نهاية،
وصوتٌ يحملنا، نحنُ المبعثرين،
إلى ميناءٍ تتكئ فيه القلوب.
أيّها القبس،
في حضورك يتعلّم الشاعرُ أن يكون طفلًا،
يتعثر بالحروف كما يتعثر بالعشب،
ويضحك من دهشته الأولى،
كأن القصيدة هي أمُّه التي نسيها.
فيك تتحوّل المعرفةُ إلى غيمة،
والحكمةُ إلى ناي،
والحبرُ إلى سراجٍ يرافق خطواتنا
في هذا العالم المثقل بالتيه.
يا قبسًا من نور،
أيها الساكن في مآقي العيون،
منك نتعلّم أن الحياة ليست ساحة حرب،
بل حديقة،
وأن الأرض ليست قفصًا،
بل جناحان في الهواء.
نراك في وجهِ الغريب،
في حكاية الجدّة التي ترويها في المساء،
في صمتِ الأمهات اللواتي فقدن أبناءهنّ،
وفي دمعةِ الفقراء وهم يتقاسمون الخبز.
كلّما مررتَ،
تتفتح الأبوابُ،
ويبتسم الحجرُ،
ويعود القلبُ أكثر إنسانية.
علّمتنا أن التمرّد صلاة،
وأن المحبة ثورة،
وأن الحرف قد يشبه السيف،
لكنّه يختار أن يكون وردة.
فامضِ، أيّها القبس،
وامتدّ كأغنيةٍ في الريح،
أطلّ كفجرٍ في العيون المتعبة،
واسقِ أرواحنا من نورك،
حتى لا يبقى في الأرض
عطشٌ ولا عتمة،
ولا إنسانٌ ينسى إنسانيته.
بقلمي الشاعرة/د. سحر حليم أنيس
سفيرة السلام الدولي
القاهرة 5/9/2025

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق