وردة حبنا
وردة حبنا، واقفة على غصنها،
تنظر إليّ بعينين تقولان أكثر مما يمكن للكلمات أن تحمله.
أدهشني جمالها ولونها، شعرت أن كل شيء من حولي توقف للحظة،
خفت ان ألمسها وأفسد رقتها،
خفت ان أمسكها وأقتل عبيرها.
أي فائدة أن أمسكها وهي تفلت مني؟
أي فائدة أن أمتلكها وأقتل روحها؟
أي فائدة أن أعشقها بعد أن أبعدها عن الهواء والضوء والحلم؟
تركتها مكانها،
ونظرت إليّ، ابتسمت بصمت، ونور حبها وصلني.
رأيت فيها كلاما، شعرت به حتى قبل أن تتكلم،
وهي تتمايل على أغصانها كما تتمايل الحقيقة بين الأوهام.
اطمأنت لي وفتحت أوراقها،
كأنها تقول: اقرأني قبل أن يرحل كل شيء.
مشيت بعيدًا عن قدميها،
لكن جمالها ظل يلاحقني،
وعاهدتها في صمت: سأعود قبل أن يذبل الزهر، قبل أن يغلق الليل أبوابه.
جاءتني قبل أن أغادر،
نظرت إليّ وقالت: "يارب"، كل الناس يكونون مثلك،
يأتون لحياتي ويذهبون كما تفعل.
وردة حبنا،
تحياتها تسافر معي في صمت المساء،
بين الظل والضوء، بين الصمت والصوت، بين القهر والحرية،
أشعلت فيّ نارًا،
رغم كل مفارقات الحياة،
رغم كل الجروح والفقدان.
يا زهرة قلبي،
يا حلم لم يكتمل بعد،
كل كلمة منك رصاصة،
كل ابتسامة منك ثورة،
كل دمعة منك قصيدة على جدار الزمن،
كل نظرة منك شمس وسط الغيم.
أمسكتها بعيون الروح،
لكن اليد لم تلمسها،
وحبنا ظل يتسرب في عروقي،
كما يتسرب الضوء من شقوق الجدران،
كالنبض الذي لا يموت،
كالحقيقة التي تصرخ في صمت المدينة.
وردة حبنا،
ستبقى معي،
حتى إذا لمستها الأقدار،
حتى إذا جرحني امتلاكها،
حتى إذا غابت عنّي،
ستظل نورًا، ومفارقة، وثورة،
بين كل الثنائيات: حب/فرقة، نور/ظلام، حرية/قيد، حياة/موت.
كل يوم أعود لأرى غصنها،
كل يوم أبحث عن روحها بين الأوراق المتساقطة،
كل يوم أصرخ في صمت المدينة:
أين أنت يا زهرة لم تكتمل بعد؟
أين أنت يا حلم لم يُكتب بعد؟
وردة حبنا،
تعلمت الصبر على الفقد،
تعلمت أن الحب ليس امتلاكًا،
وأن الجمال ليس زخرفًا للعيون،
وأن العشق الحقيقي حرية للنفس،
حتى لو تركنا الزهر يطير بعيدًا.
في عينيها رأيت مدنًا لم يولد فيها الليل،
في ابتسامتها شعرت بالثورات التي لم تُعلن بعد،
في صمتها أدركت الحروب التي نخوضها بلا سلاح،
وفي رحيلها شعرت بمفارقات الحياة:
يأتي الناس للحب ويذهبون للغضب،
يولد الجمال ليذبل،
وتموت القصائد قبل أن تُسمع.
وردة حبنا،
أصبحت تاريخًا في قلبي،
وصرخةً في أعماقي،
ونبضًا يتسابق مع الزمن،
كل يوم أكتب اسمها على جدران الصمت،
وأصنع من غيابها نهرًا من الكلمات،
يتدفق بين الحب والفقد،
بين النور والظلام،
بين الثورة والحنين.
بقلمي الشاعرة
د.سحرحليم أنيس
سفيرة السلام الدولي
القاهرة 27/8/2025
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق