يانشيدُ التي تُعيدُ خلقَ العالم
من تُهدي الليلَ قلباً من نورٍ وثوبِ،
يا من يختصرُ البحرُ في فمِكِ، ويَغدو العطشُ خبراً،
أنتِ: قصيدةٌ لم تُكتب بعدُ على جبينِ الريحِ،
أنتِ: مدينةٌ لا تنهارُ إذا ما أمسَكتِها يداي.
******
كأنَّ قلبي سورٌ من رمادٍ صار يظلِّمُ العابرين،
فأتيتِ، كمطرٍ يلعقُ الخرائطَ، ويُعيدُ الأسماءَ إلى الوجوه،
أنتِ شِفاءُ عِللٍ قديمةٍ، ونارٌ تبتسمُ في فمِ الحجرِ،
وحينَ تَنشدينَ، تنشقُّ الأسطورةُ عن صدقِها كاللهبِ.
******
أُعلِنكِ يا امرأةَ اللحنِ نافذةً على عوالمٍ مُختلِفة،
حيثُ يَلتقي الجياعُ بالأغنياتِ، ويَغتَنونَ بظلِّ القصيدةِ،
أُريدُكِ نبضَ شمسٍ لا تُخفي عنِ الليلِ حزنَهُ،
وأُريدُكِ ضحكةَ ثورةٍ تُعيدُ الأسماءَ إلى أفواهِ الأطفال.
******
تخيلي: مدينةٌ تَسردُ تاريخَها على ضفَّةِ بئرٍ مكسور،
والنَوحُ يَتبدّلُ إلى خبزٍ، والخبزُ إلى قصيدةٍ تُقاومُ النسيان،
أرى فيكَ وليداً من رمالٍ وأطيافٍ ... تنهضُ فوقَ أنقاضِ ولادةٍ قديمة ......
وجسدُكِ معبدٌ، وصوتُكِ جرسٌ للصبحِ عندما يلعقُ جراحَ الحُزن.
******
هنا، في صمتٍ تَجمعُهُ الكلماتُ كالأسرارِ على حافةِ ليلٍ طويل،
تلتقي الأساطيرُ بالشفاهِ؛ وتخبرُنا الطيورُ كيف صارت المدنُ تُترجمُ إلى دمٍ،
أنتِ التي تُعلّمُ الحجارةَ كيفَ تُغنّي، والدمعَ كيفَ يبتسمُ،
أنتِ التي تُبلّلُ جراحي وتُعلّمني الإيمان بحياةٍ لا تُقاسُ بالخرائط.
******
أُحبّكِ بكلماتٍ تُزهرُ في فمِ الحربِ، وبصمتٍ يُشعلُ الزوايا،
أُحبّكِ كأنّي أخبرُ التاريخَ أنه قابَ قَدَرَهُ حينَ احتفى بكِ،
أُحبّكِ بمعنى يَصحو بعدَ السُّباتِ، وبغناءٍ يَخترقُ الحجارةَ،
أُحبّكِ لأنّكِ المختصرُ في زمنٍ يَبكي على أطلالِه وحدَهُ.
******
لا تسألي عن الوطنِ، فقد صارَ مرآةً تَخونُها أسماءُ الحروب،
لكنَّ حبَّكِ — يا امرأةَ الحلمِ — يجلُبُ للبلدِ وجهَهُ الأول،
فيكِ تضيعُ الحدودُ وتَلتحمُ الخرائطُ على كفّكِ، وتعودُ الطيورُ لِعُشِّها،
وفيكِ أيضاً يولدُ سؤالٌ: كيف يَصيرُ العشقُ سلاحاً للغدِ الأجمل؟
******
ليستِ مجردَ نداءٍ في شارعٍ مهجورٍ، بل أنتِ بيانٌ وأغنيةٌ ومقدَّسٌ،
حين تمشينَ العشبُ يصحو، وحين تسمعينَ الصمتَ يَرْتَدي حلّةَ عيدٍ،
وإذا ما ضحكتِ، تَنهارُ الأحزانُ كما تنهارُ هياكلُ الخوفِ أمامَ المصباح،
وإذا ما بكيتِ، تَعودُ الأساطيرُ تُسقطُ أقنعتها، وتتكشّفُ عن وجوهِنا.
******
يا امرأةَ الليلِ والنهارِ بآنٍ معاً،
أنتِ الأسطورةُ التي تَلدُ كلَّ صباحٍ علّةَ امتلاكِها للحلم،
تُعلّمينَ الحروبَ كيفَ تُشيِّدُ جسوراً من ليلٍ إلى ضياءِ الصباح،
وتُعلّمينَ القلبَ أن يبني منكَ وطنه، حتى وإن كانَ من وريقِ كلامٍ وخيالات.
******
فلتَكن قصيدتي معبّراً نحوكِ، وليكنَ الفجرُ شاهداً،
نكتبُ العالمَ بلغةٍ لا تأبهُ لخرائطِ القسوة، وللغدرِ المرسوم،
نَصوغُ من الحبِّ سيفاً لا يقتلُ بل يُعيدُ الأسماءَ إلى صفاءِها،
نَصوغُ من الاشتياقِ عقداً تُعلّقُهُ المدنُ على أعناقِها عندَ المساء.
******
هكذا — بينَ رمزيةٍ تُسري كالدمِ وبينَ سخريةٍ تُضحكُ من الثورةِ نفسها —
أُقْطِر عليكِ ألفَ صورةٍ مركّزةٍ كزهرٍ على جبينِ حجرٍ مُقاد،
أُقِرُّ بأنَّ العالمَ قد انهدَمَ في مواضعَ كثيرةٍ،
لكنَّ نورَكِ يُعيدُ البناءَ: كلمةً تلوَ كلمةٍ، حتى تَعلو المدنُ من جديد.
******
تعالي نكتبُ على جدارِ الصمتِ اسماً لا تختفي له الأقنعة،
تعالي نزرعُ في صدرِ الليلِ بذرةَ استقامةٍ تُثمرُ صباحاتِنا،
تعالي نمسحُ عن الوجوهِ ترابَ الخوفِ، ونعلّمُ العيونَ أن تتكفّلَ بالحبّ،
فأنا، وأنتِ، وكلُّ من يقرأُ هذا النّبضَ: سنصوغُ من العشقِ دولةً جديدةً بلا جنودٍ.
******
وأخيراً، إنّي أريدُكِ أن تبقي كما أنتِ: مملكةَ مفاجآتٍ، وميناءَ أقاصي الحلم،
تُصدّحينَ بصوتٍ لا يهابُ صدى الخرابِ، وتُعلّمينَ العالمَ كيفَ يَصطفِّ للولادة،
كوني السيفَ الذي يحمي اللؤلؤَ في فمِ الغيبِ، والزهرةَ التي تُعلِّمُ الصّمتَ الكلامَ،
فالحبُّ الذي نُقيمهُ معاً ..... هو الثراءُ الأخيرُ في زمنٍ نُعدُّ فيه الضياعَ انتصاراً.
تفعيلة المتدارك (فاعلن)، مع تنويعات إيقاعية داخلية تمنح النص تدفّقًا حداثيًا دون كسر البنية الأساسية.
بقلمي الشاعرة د سحر حليم أنيس
سفيرة السلام الدولي
القاهره 18/11/2025