عليك أن تختار…
لا كما يختار السياسيُّ بين حقيبتين،
إحداهما مملوءة بوعودٍ كاذبة
والأخرى مملوءة بالرصاص،
بل كما يختار الطيرُ الجريحُ بين جناحيه،
أيُّهما أقلُّ نزفًا ليتابع التحليق.
******
أنا أصرخ من فوق أعالي أشجاري،
أشجاري التي قطعتها الحروبُ نصفين،
واستبدلت عصافيرها بمكبراتِ صوتٍ تبيعُ الشتمَ صباحًا،
والأناشيدَ الميتة مساءً.
******
لا تدع الفراق يوزّعنا كما يوزَّع الخبزُ اليابسُ في طوابير الجوع،
ولا تدع البعاد يُسمّرنا
كصور الشهداء على جدرانٍ
لم نعد نفرّق بين وجه القاتل ووجه الضحية.
******
عليك أن تختار…
بين قلبي، الذي يشبه مدينةً تتنفس عبر ثقوب القذائف،
وبين أنين الماضي
الذي يختبئ في أركان ذاكرتك
مثل قنبلة لم يُسحب صمامها بعد.
******
لقد طال انتظاري…
طال حتى جفّ الحبرُ في حنجرتي،
وصار صمتي أكثر ضجيجًا من كلّ أبواق العالم،
حتى صارت أيامي مقاعد فارغة في قطارٍ
لا يصل إلى أيّ محطة.
******
لا تحبس نفسك في زنزانة وهمك،
زنزانةٍ جدرانها من مرايا
تريكَ وجهك ألف مرّة،
ولا مرّة واحدة وأنت حرّ.
******
دعني أطفئ شوقي
كما يطفئ المطرُ حرائقَ الغابات،
ودعني أصلح ما مزّقه الزمانُ من أوتار دمنا،
قبل أن يتعلّم عزفَها غرباءُ
لا يعرفون موسيقى دموعنا.
******
عليك أن تختار…
إما أن نكتب على لحم الليل
اسمين لا يقرأهما الرقيب،
أو نترك الرياحَ تذرّينا كقصاصات منشورٍ سياسي
مزّقته أقدامُ العسكر في أول صباح.
******
إما أن تضع يدك في يدي
ونقلب الطاولة على آلهةِ الحصار،
أو تبقى واقفًا
تعدّ الطلقات وهي تخترقُ أرواحنا…
واحدةً، واحدةً…
حتى آخر قلب.
بقلمي الشاعرة د/سحر حليم أنيس
القاهرة 14/8/2025